سرديات النسوية
خرجت المرأة من اللغة ليستحوذ عليها الرجل وحده، ولتمعن
الثقافة الذكورية في تغييبها بإعتبارها ذاتاً، فإضافة إلى تغييبها في الواقع،
ستحضر في أدب الرجل وثقافته بوصفها موضوعاً لبلاغته، يتفنن في إختلاق الصور لها،
فهي الملاك وهي الشيطان، وهي الغائبة وهي الحاضرة، وهي المعشوقة المعبودة وهي
الموؤودة، هي الجمال وهي القبح، هي الرمز والمثال، وهي السحر والمكر والغدر والشر
المتربص بالرجال.
يستحوذ الرجل على الكتابة، ويمنع المرأة من الوصول
إليها، خاصة في ثقافتنا العربية، أو يترك الحكي الشفهي للنساء، ليضيف رؤيته أثناء
التدوين، ويعتمد إلى تمثيلها وفقاً لتمثلاته عنها، وإنطلاقاً من موقعه المختلف ومن
ثقافته الذكورية، فكان على المرأة في هذا الوضع أن تصمت، أو تعيد إنتاج صور
الذكورة وتمثلاتها عنها، أو تكتب (وقد كان ذلك نادراً) لتمثل نفسها، فتهمل كتابتها
أو تقبر.
في كتابها الذي ينقسم إلى ثلاثة فصول والموسوم بـسرديات
النسوية، تؤكد الباحثة سلمى براهمة على أن مفهوم (النسوية) هو الأكثر تعرضا للخلط
والفوضى والتضارب في تحديده، كما أنه من المفاهيم التي أثارت جدلا كبيرا نتيجة
تباين المواقف إزاءه بين معارض ومؤيد ومتحفظ، وبعودتها إلى التاريخ تتقصى براهمة
البدايات التي ظهر فيها مصطلح النسوية لأول مرة، مشيرة إلى أن ذلك تم في تسعينيات
القرن التاسع عشر، في إطار تسمية الحركة النسائية التي كانت تشهد شعبية وتـألقا
كبيرين آنذاك، إلا أنها تجد أن النسوية باعتبارها نظرية أو فكرا لم تكتمل ملامحها
إلا في ستينيات القرن العشرين.
عدد الصفحات: 248