مرايا : ما يشبه تاريخاً للعالم
يعيد إدواردو غاليانو في كتابه "مرايا" قص تاريخ الحضارة البشرية
على طريقته، مكثفاً ما يراه مثيراً، وطريفاً، وجديراً بالاهتمام عبر مقاطع مقتضبة
مُحكمة تتيح للقارئ فرصة التواصل مع الأحداث والوقائع التي يقرؤها كما لو أن
التاريخ ينبعث أمامه من جديد. فالمؤلف يعتمد مساراً كورنولوجياً في رواية تاريخ
مبني على المفارقات المرّة، ويتوقف عند مدن وشخصيات وأحداث واختراعات شكلّت علامات
فارقة في تاريخ البشرية. هكذا نراه ينتقل بخفة بين شتى الموضوعات؛ كختان النساء،
دودة القز، الجعة، سانتا كلوز، التانغو، أدوات تعذيب محاكم التفتيش. لكنه وعبر
الإيهام بالتشتت يجعل التاريخ بصورة ما منطقياً أكثر ومفعماً بالسخرية المرّة.
بانتقائية شديدة وحريّة مطلقة يختار غاليانو بسعة إطلاعه، ما يستوقفه من نقاط بدت
له مفصلية في مسيرة البشرية، وتحديداً الأحداث أو الأشخاص المنسيين الذين تجاهلتهم
الرواية السائدة للتاريخ، وأرادت طمسهم إزالتهم من الذاكرة الجمعية، كما لو أنه
يقول للعالم: "انظر لوجهك الحقيقي منعكساً في مرآة"...
عدد الصفخات: 512