النار - التحليل النفسي لأحلام اليقظة
يدرس علماء النفس
التقليديون أن الإنسان يبدأ بالرؤية. بعد ذلك يعيش الإنسان على ما يتذكّره. في
النهاية يدخل الإنسان مرحلة التخيّلات. بالنسبة باشلار الإنسان يتخيّل أولاً ثم
يرى بعد ذلك ويتذكّر حسب الظروف. الأحلام، والأساطير، وجنوح التخيّلات
المحلّقة، كل ذلك عكف باشلار بنفسه على
تصنيفه تماماً مثلما فعل السيميائيون القدماء بصدد موضوع العناصر الأربعة: الماء،
والهواء، والنار، والأرض. محور النار الساطعة، نار الوميض الكامنة في بناء تصوّر
بطولي، إنها رمز النقاء والتغيير الجذري. هناك أيضاً النار السماوية، نار الجحيم، نار الضوء
المحمّلة برمز ذكوري. هناك نار البركان التي تخرج من باطن الأرض، باختصار النار
تمتدّ برمزيتها في الخيال الإنساني ما بين نار حميمة تتمحوّر مع أحلام اليقظة
الناعمة اللطيفة، ونار درامية مدمّرة لا تبقي على شيء. ثم النار المطهّرة، نار
تنقّي وتطهّر، تقطّر وتسامي. أما السؤال الذي يطرح نفسه هنا وبالحاح شديد فهو
التالي: لماذا تعود الأفكار والمفاهيم التي هُزمتْ، وتراجعت أمام انبثاق الفكر
العلمي المعاصر إلى الظهور مرةً أخرى؟ كيف نفسّر تلك الظاهرة التي نشهدها منذ بضع
سنوات، والمتمثّلة في ظهور وصعود الأفكار السلفية، والمفاهيم الغيبية اللاعلمية
التي كنّا قد ظنّنا أنها قد هُزمتْ إلى الأبد؟
عدد الصفحات: 200